المادة    
الموضوع الآخر وهو موضوع حديث الساعة كما يسمى في الشرق والغرب، هو موضوع الجزائر، ونحن مبدئياً نعتقد أن الديمقراطية كفر ليس في ذلك عندنا أي شك، ونعتقد كذلك أن قيام الإسلام في الأرض ليس بهذه الطرق وبهذه الوسائل بالضرورة، بل الطريق الصحيح والمنهج الحق هو: الدعوة وطلب العلم ونشر الفقه في الدين، وتربية الناس على ذلك، وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى أن تأتي مرحلة تمايز الصفوف، هنا يأتي الجهاد في سبيل الله، وإقامة الدين بعد البيان والحجة وإبلاغ الحق، وهذه بديهيات معروفة والحمد لله، لكن نحن نتكلم عن قضية واقعية وأمر قد وقع.
  1. خيارات جبهة الإنقـاذ في الجزائر

    لم يكن هناك مناص، أو مفر من أحد أمرين إما أن تقع أحداث كأحداث تونس، والتي فيها الآن ما لا يقل عن خمسين ألف معتقل ومعتقلة، يعذبون بأشد أنواع التعذيب التي كانت في أيام جمال عبد الناصر كما في نافذة على الجحيم وقد كتب عن هذا شيء فظيع، وتواتر وتناقله الثقات من الإخوة السلفيين الموثوقين بعقيدتهم ونقلهم وكتبوا ذلك، وعندي أشياء كثيرة مؤلمة، ومقلقة تطير النوم، وتذهب الراحة من القلوب.
    المقصود: أن هذا كان اختياراً أو حلاً، فلو سيطرت الجبهة الاشتراكية الحاكمة الخبيثة، أو جبهة القوى الاشتراكية فهذا ما يريدون أن يفعلوه، حيث يريدون التنكيل والإيذاء وضرب الصحوة وفتح المعتقلات، وهذا ما فعلوه أيضاً بـالجبهة وأعضائها.
    أو البديل الآخر مع اعتقادهم أن الديمقراطية كفر، وعلى أن نتائج الانتخابات قد لا تكون مضمونة، تلافياً للتهم وعدم الشرعية قالوا: ندخل، ونرتكب أخف الضررين، ونحقق أعلى المصلحتين، ونثبت للغرب والشرق أن هذا الشعب لا يريد إلا الإسلام، وهذا هو الذي عملت به الجبهة وغيرها في بعض الدول، وهناك فتوى من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز بأنه إذا كانت الضرورة، أو مصلحة الدعوة في دخول الانتخابات أو البرلمان فلا بأس بقيودها، وهكذا حصل.
    فتصوروا جبهة تحارب ويعتقل منها الآلاف، وإلى الآن شيوخها في السجن كالشيخ: عباس مدني والشيخ: علي بلحاج؛ ومع ذلك تأتي الانتخابات، وتأتي هذه النتيجة العجيبة، فيكون للحزب الحاكم (16) مقعداً والجبهة (202) وقد تصل إلى (210)، فهي نسبة غريبة جداً، تدل على أن هذه الأمة لا تريد إلا الإسلام ولا نعني أن كلهم صحابة فضلاء علماء، ولكن المقصود أن الرغبة والعاطفة والشعور إسلامية، فالمعنى أنهم مستعدون أن يتربوا على الإسلام ويتبعوا المنهج الإسلامي بدل المنهج الاشتراكي، ويريدون المحاضن الإسلامية بدل المحاضن العلمانية، وتعليم العربية بدل الفرنسية، وتعلم التفسير والتوحيد والفقه والحديث بدلاً من تعلم الكفر والإلحاد والتاريخ القومي وغير ذلك.
    فهذه دلالة على أن الشعوب تريد الخير، وشعب الجزائر شعب غيور، وصادق ومتدين بالفطرة والحمد لله.
  2. ردود الأفعـال على نتائج الانتخابات الجزائرية

    لما ظهر هذا الحدث الكبير تباينت ردود الأفعال، فـفرنسا تلمح بأن الجيش سيحل المشكلة، مع أنهم يزعمون أنهم دعاة الديمقراطية، ويقولون: إن الثورة الفرنسية فجرت الديمقراطية في العالم، لأنها حررت الشعوب، وعبرت عن إرادتها، وهذا شعب عبر عن إرادته، فلماذا تلمحون أن الحل سيكون في تدخل الجيش؟!
    وبعض الدول والإذاعات والصحافات سكتت، ولم تتكلم مطلقاً، ولو كانت جبهة اشتراكية في كولومبيا أو جامايكا أو غيرها لجاء الخبر على الفور، لكن في بلد إسلامي كبير يبلغ تعداده حوالي ثلاثين مليون، وهناك أحداث خطيرة، ومع ذلك لا تسمع لهم حساً، وبعض الصحف كتبت عن "جبهة الإنقاذ" ولم تذكر الإسلامية، لماذا؟
    إنهم يريدون أن يظهروها كغيرها من القوى، وإلا لماذا لم تميز؟!
    وبعض الصحف تجرأت أكثر، ومنها جريدة الشرق الأوسط، وقالت كلاماً عجيباً، حتى كلام الشيخ حاولت أن تحرفه وتؤول معناه، فلقد حاولت في قضية الجزائر أن تدخل البلبلة بعناوينها، ومن ذلك كلمة بعنوان: (كلمة لا بد منها حول الانتخابات الجزائرية) تقول: ''إنا قد علمتنا التجارب أن القوى التي تعيش في ضمن قالب أيديولوجي- أي: عقدي- جامد، أو تتعرض للقهر والاضطهاد، ولا تجد أمامها الفرصة الكاملة للتنفيس أو التعبير عن الرأي، تطرح شعارات مبسطة تتعاطف معها الجماهير'' ومعنى كلامها: أن الناس مغفلون، وتقول: ''ومع الوقت تصبح بعض الشعارات التي دغدغت أحلام الناس بتذليل كل الصعاب، وترياق يعالج كل المشاكل، ويسهل تصديق هذه الشعارات، وتتحول من زفرة للفت النظر إلى برنامج عمل سياسي'' فانظروا كيف الطعن والدس!
    وبعدما يذكر قدوته الاتحاد السوفييتي والقوى الاشتراكية، كما قرر جار الله الخبيث وأمثاله، أي: أن الإسلام والشيوعية عندهم نظامين شموليين، ويقول: (تجارب روسيا دلت على هذا، وكذلك هناك تدل على أن الحكم أكثر من مجرد شعارات ونية طيبة واستلهاب للهمم أو تحريض للشارع، فالمشاكل المتراكمة لا تحلها النظرات المثالية، ولا تنهض بأعباء حلها الشعارات أو تغيير الأسماء والوجوه وإنهاء سلطة هذا الحزب وإسناد الرأي لذلك، إنما تكمن في الحلول وفي الرؤية الواقعية الاختبارية لحقيقة الأوضاع لكي تصبح الحرية والكساء والغذاء والطبابة في متناول كل عقل وكل جسد).
    فهو مقصوده إبعاد الدين! وهذه نظرة مادية بحتة، وهذه الدول الغربية تؤمن لمواطنيها الدواء والغذاء والراحة والحرية، حرية: التعري، والزنا، والسكر، والعربدة فهذا هو النموذج، أما الشعارات والدعوة للدين والإسلام، فلا يريدونه لا في الجزائر، ولا في أي مكان على حسب رأي الجريدة، يقول : (وفي بذل الجهد وجمع طاقات أبناء الشعب تحت مظلة الأمن والانسجام الاجتماعي بعيداً عن صفات التشنج والعصبية التي تزرع الريح فلا تحصد إلا العاصفة) إلى آخر ما قالوا وما كتبوا، فهناك ردود فعل كثيرة جداً، وما زالوا في أولها.
  3. نصيحة لجبهة الإنقاذ

    ثم نوجه نصيحة للإخوة في جبهة الإنقاذ نقول لهم:
    أولاً: بغض النظر عما يقوله العلمانيون، نحن لا تغرنا الشعارات فقط؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يريد منا إيماناً حقيقياً وقلباً صادقاً مخلصاً، وليس مجرد الشعارات، وإن كانت شعارات حق، وأذكر من شعارات الجزائريين أنهم يجولون ويقولون: لا ميثاق لا دستور، قال الله قال الرسول، وغيرها، وهذا شعار حق، الله تعبدنا به ويجب أن نعتقده لكن لا يكفي الاعتقاد، يجب أن يتحول إلى عمل، وأن يكون احتكامنا فعلاً إلى ما قال الله وإلى ما قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
    ثانياً: أن الجماهير تحتاج إلى تربية بل طبقة المثقفين، فنحن لا تغنينا هذه الجموع عن التربية، وعن فتح حلقات العلم في المساجد ونشر العلم الشرعي، والتفقه في دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وفي التوحيد الذي هو أعظم ما أمر الله تبارك وتعالى به، وبيان الشرك، وبيان البدع، وخطرها وضررها وبيان العلمانية والرد عليها في جميع فروعها، وبيان القومية، والتي يسموها "جزأرة" أو أياً كانت، وفضح كل ما يمس بالعقيدة.
    المهم أننا ننصح الإخوان في الجبهة، وفي كل مكان بأن يتمسكوا بكتاب الله، وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنها أمانة عظيمة حملوها، سواءً فازوا في الانتخابات أم لم يفوزوا، في المرحلة الأولى أم الثانية، وصلوا للحكم أو لم يصلوا، ليست هذه هي القضية الأصلية، بل القضية أنكم حملتم الآن أمانة عظيمة، خاصة أنتم أيها الدعاة في الجزائر؛ ونحن الدعاة في كل مكان أمام هذا الشعب الذي تخرج منه كل هذه الملايين، وتقول: لا نريد إلا قال الله وقال الرسول.
    إنها -والله- أمانة عظيمة علينا، فلا بد أن نرسل لهم الكتب، وأن نبعث لهم بالأشرطة، وهم -والحمد لله- يتلقفونها كما يتلقف العطشان الماء البارد في كل منطقة، وفي كل ولاية من ولايات الجزائر، وأن نمدهم بالدعاء، فندعو لهم دائماً أن ينصرهم الله تعالى، وإنه لفتح كبير أن تكون دولة لا إله إلا الله، التي على منهج السلف الصالح والخلافة الراشدة في الجزائر، فنرجو أن تكون كذلك إن شاء الله، فلندع لهم بالتوفيق والسداد والتثبيت.
    ونقوم بالواجب ولا يكفي النقد لأنه سهل، ولكن ليس هذا هو المطلوب، بل المطلوب النصح والتأييد، وأن أقول وأبلغ بما أستطيع لما فيه خيرهم، وخير الإسلام والمسلمين، ولله الحمد والمنة.
    ثم ننصح الإخوة الصحفيين في بلادنا أن يتقوا الله، وأن يعطونا معلومات عن هؤلاء الناس، وأن تترك التجريح خاصة جريدة الشرق الأوسط التي تجرح وتشهر بمثل هذا الكلام، لماذا لا يسافر مندوبون من جرائدنا ومنها عكاظ، وأخصها لأن لها مندوبين في كثير من أنحاء العالم، لماذا لا يذهب هؤلاء ويقابلون قادة الجبهة وتنشر مقابلاتهم في صحفنا، ويعرف الناس الذين يدعون إلى الله، والذين يُتهمون بأنهم وهابية؛ لأن هذا البلد محط أنظار الناس، وهم يريدون أن يسمعوا منا أية كلمة، ولو كانت صغيرة فيعملون بها شهوراً وأياماً وليالي، فأرجو أن تكون هذه النصيحة لها قبول عند أولئك.
    هذا وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.